الشاعر عدوان بن راشد الهربيد الشمري من شعراء القرن الثالث عشر عاش في النصف الأول منه وامتد به العمر حتى توفي في أوائل القرن الرابع عشر الهجري
كان للشاعر قصة طويلة وتلك القصة يفخر به من يعرفها ويشيد بفعله من يتتبع حياته وشهامته بحسب ما يورده الرواة.
فقد كان محباً للقنص ومثله في زمانه الكثير من هواة القنص والصيد كمورد وكهواية وسياحة على مستوى محدود.
كان منزله في الشمال من الجزيرة عني حائل وما حولها وتعرضت منازلهم في وقت من الأوقات لاجتياح تفرق جراؤها أقرباؤه ومنهم عائلة أخيه الذي مات وله ولد صغير يرضع اسمه ” جريس “
فأخذه وهو رضيع وتابع نشأته أما أمه فقد نجت بعد شرودها وهربها مما أصابهم ناجية بنفسها هاربة إلى ابن رشيد حاكم حائل تاركة رضيعها في منازلهم لا تدري ما الله فاعل به .
ولكن عناية الله سخرت له من يتولى رعايته وحمايته فكان الهربيد وهو عمه يتابع تغذية هذا الطفل ويعلقه وقت انشغاله في إحدى الأشجار خوفا عليه من سباع في غفلة ويتابع رعايته حتى جاء المدد والبحث من ابن رشيد يطلبون الناجين فلم يجدوا سوى الطفل معلقا على إحدى الأشجار ومعه الشاعر الهربيد وهو عمه.
أرادت أمه الزواج وأن تذهب بولدها معها لكن الشاعر عدوان خشي وخاف على ولد اخوه من سوء التربية ومن الوِلية ( وهي أن يصبح شخص آخر ولياً له ) ويمكن يسيء معاملته ويهينه وهذا غالبا مايحدث ذلك الزمن و وفي هذا الزمن أيضا شاور نفسه وتزوج من زوجة أخيه رغم أنه لم يكن راغبا بها و لا يطمع في جمال ولا مال ولكن من أجل خاطر جريس وأن يتربى ابن أخيه في كنفه ورعايته وليس تحت رعاية غريبة وهذه تعد تضحية كما تعد إيجابية تحسب له
وكان الهربيد بوارديا ويقنص من لحم الظباء والأرانب ويطعم أفضل اللحم لجريس واغلب قصائد عدوان كانت مسنده لجريس
ويقال باحد الايام كان مار بمراح اهله ومعه جريس وهو يتذكر اخوته
يقول عدوان:
يادار يـادار ربينا بك العام بين الحجر يادار واشراف ضاحي
يادار مابك من هلك جرة اقدام والمال ماله جرة بالمراحي
بس الثلاث اللي تقول روس خدام وارض تصفق به نشيط الرياحي
حطن بنا قيد وهواجير وخزام ياجريس واسقنا مرار الملاحي
حظ ربض لو قامت السمر ما قام وباب عصانا بقلة الانفتاحي
يا قـد قلبـي قد أزرق الخام أو قد غرب من شفا البير طاحي
على الرجال اللي مشو لي بالاخدام راحو كما برق بالامطار لاحي
عندما كبر عدوان واصبح في سن الشيخوخه وشب جريس ولم يطلع على هقوة عمه ورأى منه بعض التصرفات وتنكر لمعروف عمه وأخذ يقابله بالفظاظة والغلظة فقال عدوان الهربيد هذه الأبيات :
يا جريس يامشكاي شاكن واشكيك وأشوفها من يم الاصحاب ضاقه
ياجريس أخذت أمك على شان تاليك ما معجبن زينه ولا هي عشاقه
عمك ولو بي تنشده كان ينبيك وش حق من رباك طفل حواقه
ياما على متني تعقبت بيديك تقل كما تنقل خطاة العلاقه
وياما بعدلات الشبايا نعشيك واعطيك مع زود الخزيزة لحاقه
بارباعى لي ثار حسه يشويك في ليلة ذوق العشا به شفاقه
لما الذي بدقون ربعك ظهر فيك وأظن في نبت اللحى افتراقه
واليوم اشوفك يوم كبرت علابيك جمعت مع خبث الطبايع نزاقه
ولعاد بالدنيا صديقك يخليك ما من ورى عوج النصايب صداقه
ياجريس مالي بالاداني واقاصيك لهل فوقي محزم من دقاقه
سبع العود ياجريس خلن اخليك ياجريس ما بعيال الاخوان فاقه
تيس يحطه وال الاقدار بيديك أحلى من الشرشوح عند الرفاقه
سمع بالقصيدة راعي بقعاء وقال :
ياليت بالدنيا صديقك يخليك وكفاك شر ماتبي له صداقه
مار البلاء لاجنّب الحق ناصيك تومي ركابه ماعليها علاقه
دلى يبيعك بالمكاتب ويشريك ويحط دون الله علوم دقاقه
ولم ينتصح جريس وركب رأسه واستمر في الهزو والغلط وعقوق عمه وقال عدوان أنا كبر سني ولا طاقتي لي بمجادلة جريس ولكن سوف أعطيه من النصح وأبيات الشعر وتذكيره بما قدمت له بالحياة لعله ان يسمع او يتأثر بكلامي فقال :
يا جريس عسى ماهو جريس اليماني والا جرس وضحى تموح الجنابه
جريسٍ اللي بالمدامث رماني رميت حصاة بي هدايم خرابه
يا جريس ما قطعّت عنك الحساني ولو وليتي قشرى تدور القضى به
أطلعت راسك يوم ربي هداني من الشوحة اللي يستدير الرشى به
بأيام ياكلٍ الضرى كل واني وأيام طرد الضيف لو به عتابه
يا جريس مدلوك التسيعي كواني حزة طلوع الشمس والا غيابه
ياما نلوذ بكل خضرا مثاني يومٍ به الشعرا ترفع ثيابه
وأعطى سفودٍ من كرام اليماني اقفي كما الكساب لو قال مابه
عن قولة الهربيد يا جريس جاني أو قولة الطلاّب لا لا سعى به
ياما نفعك من الضنى كل داني يا جريس مابه عيال الأخوان ثابه
يا جريس هذا الصيف زين الصخاني وأظهر قناديل الشجر كل مابه