قصة في ليلة من ليالي سنة الجوع وابن شريدة قصه من قصص الاولين مكتوبه
خلال الثلاث قرون الماضية مرت العديد من الكوارث والاوبئه والاحداث التاريخية على منطقة القصيم ونجد وربما مرّ بعضها على جميع المناطق والدول المجاورة ومعظمها سنوات عجاف جرت فيها مواقف عصيبة وأحداث على أجدادنا وأدركها آباؤنا وعايشوها بل عانوا منها نتيجة الفقر والقحط وقلة ذات اليد وهي سنوات مقدّرة من رب العباد لحكمة أرادها..
وسبق للاديب وللباحث فائز بن موسى البدراني ان كتب عنها في احد اصداراته بعنوان “أشهر التسميات المحلية للسنوات الهجرية” جمع فيه كل التسميات المحلية التي عثر عليها في التواريخ وفي الأشعار والروايات الشفهية وقد بذل فيه جهدا كبيرا يشكر عليه كذلك كتاب تاريخ ابن عيسى ورد فيها العديد من الاحداث والتواريخ
واستطاع سكان الجزيرة العربية قديماً حفظ بعض المعلومات الخاصة والعامة بهم مثل تاريخ الولادة أو السفر أو تغيير المكان بما يمر عليهم من تلك الاحداث تعرف بأسم العام الذي حدثت فيه بأسماء معينة للأسباب التي حدثت فيها حيث أصبحت تسمية السنوات بالأحداث الشهيرة أمرا معتادا لكن التسمية غالبا ما تكون مقتصرة على منطقة معينة أو قبيلة بذاتها وأحيانا إذا كان الحدث شهيرا وجسيما تشيع التسمية عند الأغلبية وإطلاق هذه التسميات على السنين غالبا ما يكون بسبب القحط والجوع أو الخصب وكثرة الأمطار أو الحروب أو الأمراض أو بسبب حادثة غريبة غير مألوفة والتي تترك أثراً كبيراً في حياتهم و يؤرخون بها محطات حياتهم العامة عن النسيان
وبعض هذه السنوات ومسمياتها:
– سنة 1047هــ وقع القحط العظيم المسمى “بلادان” وسميت هذه السنة بسنة بلادان. – سنة 1065هــ قحط شديد سمي “هبران”. – سنة 1076هــ القحط والغلاء العظيم المسمى “صلهام”. – سنة 1079هــ كثرت الأمطار وأخصبت الأرض وسمى أهل نجد هذه السنة بـ “دلهام رجعان صلهام”. – سنة 1085هــ القحط العظيم المسمى “جرمان”. – سنة 1086هــ القحط العظيم “حرادان”. – سنة 1114هــ القحط والبلاء العظيم المسمى “سمدان” سمد فيه أهل الحجاز وأكثر البوادي. – سنة 1116هــ غرقت مدينة عنيزة من السيل وتسمى هذه السنة بـ “غرقة السليمي” وهو رجل أعمى دخل السيل في بيته وأغرقه فمات. – سنة 1135هــ في هذه السنة بدأ القحط والغلاء المسمى “سحي” وقد أستمر ثلاث سنوات
يقول المؤرخ النجدي عن سنوات سحي ما ملخصه: وعم القحط والغلا الشام واليمن ونجد وهلك جملة البوادي وغارت الآبار وجلا أهل سدير للزبير والبصرة والكويت، وجلا كثير من أهل نجد إلى العراق والأحساء وهلك كثير من بوادي حرب والعمارات من عنزة وبني خالد وغيرهم وقال شاعر من سدير:
غدا الناس أثلاثا فثلث شريدة يلاوي صليب البين عار وجائع
وثلث إلى بطن الثرى دفن ميت وثلث إلى الأرياف جال وناجع
– سنة 1139هــ كثرت الأمطار والسيول ورخصت الأسعار وسميت هذه السنة “رجعان سحي”. – سنة 1160هــ بدأ القحط المسمى “شيته”. – سنة 1165هــ نزل الغيث وأخصبت الأرض ورخصت الأسعار وسميت هذه السنة “رجعان شيته”. – سنة 1181هــ أول القحط والغلاء العظيم المسمى “سوقة” مات فيها خلائق كثيرة جوعا ووباء، وجلا كثير من أهل نجد إلى البصرة والزبير والأحساء. – سنة 1186هــ طاعون عظيم ظهر في بغداد والبصرة وعم العراق كله، هلك فيه خلائق كثيرة، ولم يبق من أهل البصرة إلا القليل أحصي من مات فيه من أهل البصرة وضواحيها فبلغوا 350 ألفا، ويقال إن هذا العدد هم من مات بالطاعون من أهل العراق في تلك السنة، أما في مدينة الزبير وحدها فمات نحو ستة آلاف شخص، وسميت هذه السنة سنة الطاعون وقد تكرر هذا الوباء في سنوات عدها وسميت ايضا بنفس الاسم – سنة 1197هــ القحط والغلاء العظيم المسمى “دولاب” استمر ثلاث سنوات. – سنة 1200هــ نزل الغيث ورخصت الأسعار وسميت السنة “رجعان دولاب”. – سنة 1247هــ سنة الطاعون هي سنة انتشر فيها مرض الطاعون القاتل أرجاء الكويت وقضى على الآلاف من سكانها وكان ذلك في شتاء 1831م الموافق لسنة 1247 هـ وقد كانت بدايته من مدينة تبريز الفارسية في يوليو 1830ثم انتشر في العراق فالخليج ونجد – سنة 1247هــ السنة الحمراء (غبار) ووقعت في سنة 1247هـ ـ 1831م وفيها عم غبار أحمر ناعم، وكان يكثر في ساعات النهار ويخف في الليل، فأرّخوا به مواليدهم، ووقعت في نفس سنة الطاعون. – سنة 1285هــ سنة الهيلق وهي مجاعة حلت في الكويت في عام ك1867م و الهيلق او الهلاك أو الهلك كلمة مرجعها الهيلگ بالفارسي معناها الجياع وليس لهذا الاسم أصل بالعربية وإنما هو اصطلاحي ومعناه أن خلقاً من أهل فارس أصابتهم مجاعة ولجفاف هائل لم يكن بالحسبان و جاء عدد كبير منهم إلى الكويت و سموا بهذا الاسم وكان أول من أرَّخ لهذه الحادثة المشهورة هو عبد العزيز الرشيد حيث يقول في كتابه «تاريخ الكويت» ص95 حول الحوادث المشهورة: «حصلت في الكويت مجاعة سميت سنة الهيلق وتعني الجياع فأرخ بها الكويتيون كعادتهم.. ابتداء من سنة 1285هـ ولم ينتهِ إلا في سنة 1288هـ.
– سنة 1288 هــ سنة الطبعة (غرق السفن) وطبع بمعنى غرق السفن في اللهجة الكويتية هي سنة غرق فيها الكثير من السفن الكويتية بسبب إعصار بحري حدث بين الهند ومسقط في المحيط الهندي قبل دخولهم مضيق هرمز المؤدي إلى الخليج العربي وذلك في عام 1288 هـ الموافق في سبتمبر من عام 1871م وقد مات جل من كان في هذه السفن وما وقع من وفيات يقال إنه وصل إلى 8 آلاف حالة في دقائق ولم ينجو منها إلا النادر من السفن وممن ذهبت سفنهم في هذه الكارثة: سفينة الإبراهيم، وسفينة العصفور، وسفينة الصبيح، وسفينة محمد الغانم .. وهناك عدة سنوات في تاريخ الخليج العربي تسمى بهذا الاسم سنة الطبعة من بينها سنة 1267هــ وسنة 1318هــ، وسنة 1343هــ، والسنة الأخيرة هي العالقة في أذهان الناس لحداثتها ونجا قليل منهم ولوجود أناس ممن عاصروها ما زالوا على قيد الحياة ، وممن نجا من حادثة الطبعة سنة 1343هــ الشاعر ناصر بن كليب الكثيري، وفي ذلك يقول:
الطبعة الخطرة خطرها وطاني موج البحر في غبته مطلحبه
عمري غدا مير الله وقاني كله سؤال اللي ضناها تحبه
وكذلك نجا من هذه الحادثة الشاعر ناصر بن حماد التميمي، وقال في ذلك:
أنا ما تهيا لي بعمري وهالني حذا ليلة سودا على اللي سرى بها
يوم على الديبل تطبع بها الخشب كم واحد جت قدرته ما درى بها
ضربنا بنصف الليل نصف من الشهر شهر ربيع الأول بعدة حسابها
دالوب غربية من العمر مطبعة ثلاث ساعات تنفض ربابها
في رأس تنورة دفـنت جنايز وفي سيف جدة يذكرون الغثا بها
– سنة 1289هــ سنة الرجيبة (سيل) ووقعت في سنة 1289هـ ـ 1872م، وفيها هطل أمطارًا قوية جداً هدَّمت البيوت و أفزعت الناس و امتلأت الأزقة والطرق بالماء وجاءت التسمية بالرجبية لأن المطر وقع في شهر رجب من تلك السنة الموافق لشهر أكتوبر من عام 1872م – سنة 1301 هــ سنة “أم العصافير” سميت بذلك بسبب المعركة الشهيرة في الحمادة في روضة أم العصافير قرب المجمعة وفيها يقول الشاعر محمد بن هويدي:
كون جرى بأم العصافير ما كان خلى سباع طويق تشبع لحومي
– سنة 1307هــ سنة الدبا حدث بالكويت وقع في 12 رمضان عام 1307هـ الموافق مايو 1890م حيث مُلأت الكويت بالدبا وهو صغار الجراد الذين يزحفون بأعداد هائلة كالبساط بطول 6 كم وعرض 3 كم من كثرته امتلأت الآبار بالجراد حتى نتنت وأكل الزرع حتى أن الناس لم يستطيعون النوم من كثرة القلق وانتهى هذا الغزو الجرادي في 24 رمضان من نفس العام – سنة 1318هــ سنة غرقة القصيم وقد هطلت على القصيم أمطار غزيرة أثرت على المنطقة وتهدمت منازل كثيرة وتضرر منها الأهالي ومنهم من يسميها سنة «سيل أبو رفيع». – سنة 1318هــ سنة الصريف سميت بذلك لوقوع المعركة الشهيرة في هذا المكان شمال بريدة والملك عبدالعزيز سميت كل معاركه حسب مكانها مثل سنة جراب وسنة السبلة وسنة المشقوق وسنة الأشعلي وغيرها – سنة 1325هــ سنة الشهاقة وتكرر ايضا 1360هـ حيث انتشرت الشهاقة في القصيم وهي تصيب الأطفال خاصة مع السعال.
– سنة 1325هــ سنة الدبا وتكرر ايضا 1364هـ وقد انتشر في المملكة نوع من الدبا يأتي على المزروعات. – سنة 1327هــ سنة الجوع و سميت بذلك لأنه انتشر الجوع نتيجة تأخر نزول الأمطار وبالتالي قلة المحصولات الزراعية، فلم يجد الناس ما يأكلون الناس وعم القحط والجدب وغلت الأسعار وعدمت الأمطار ومات كثير من الناس جوعا.
– سنة 1329هــ سنة الفقع وهي تسمى «الأولى» وقد كثر الفقع عند الناس بالمملكة وأكلوا منه وقاموا بتخزينه بنشره بالشمس حتى ييبس ثم يدّخرونه للسنوات القادمة، حيث يطيب أكله عند الناس بطبخه مع المرقوق والمطازيز وغيرها. – سنة 1330هــ سنة الحصباء وفي تلك السنة انتشر بين الصغار خاصة مرض الحصباء، وهو يصيب الطفل في أعوامه الأولى مرة واحدة في العمر.
– سنة 1330هــ سنة الطفحة هي سنة الوفرة الاقتصادية الهائلة وعام خير ورخاء اقتصادي عم على دولة الكويت قديمًا في عام 1912 التي تميزت بنشاط اقتصادي غير مسبوق وشكلت علامة فارقة في تاريخ الكويت الحديث وكان ذلك في عهد حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح وبلغت عدد السفن المبحرة للغوص في هذا العام 800 سفينة من مختلف الأنواع وعمل عليها نحو 30 آلف رجل وبلغ دخل الغوص من هذه السنة 6 ملايين روبية وكان الغوص غوصين في عام الطفحة أَي يذهبون قبل شهر رمضان ثم يعودون الي الكويت لصيامه وبعد عيد الفطر يذهبون للغوص ثانية أما عدد سفن السفر المبحرة في هذا العام فقد بلغت 200 سفينة وعدد من عمل عليها من الرجال بلغ 6000 رجل وإجمالي دخل حمولتها من البضائع في رحلة الذهاب والإياب أكثر من مليون روبية.
– سنة 1336هـ سنة البركة وفي تلك السنة كثر العيش «الحبوب» عند الناس نتيجة نزول البركة من الله في الزراعة. – سنة 1337هـ سنة الرحمة وسميت بذلك لكثرة من مات فيها والناس كانوا يترحمون على موتاهم ويتفاءلون برحمة الله وكان سببها مرض الحمى الإسبانية التي جاء بها وافد إلى الكويت ومنها انتقلت إلى نجد ومناطق أخرى وسمي المرض الغامض لديهم بمرض السخونة وقد مات في هذه السنة عدد كبير من الناس حيث كان يصاب الفرد بالمرض وبعد أيام قليلة يموت من عدم وجود من يتولى علاجه وقد مات في هذه السنة كثير من المشاهير والأعيان ومات عدد من أولاد الملك عبد العزيز ــــ ذكورا وإناثا ــــ من بينهم الأمير تركي بن عبدالعزيز الأول ثاني أولاد الملك عبدالعزيز الذكور وفهد بن عبدالعزيز الأول وخالد بن عبدالعزيز الأول. وسميت بالرحمة لأن الناس كانوا يترحمون على موتاهم ويتفاءلون برحمة الله.
– سنة 1340هـ سنة الجرب وانتشر في نجد خاصة مرض الجرب ولا يوجد بالمملكة علاج لهذا المرض ولا يوجد مصل خاص لتطعيم الناس للوقاية منه فمات منه خلق كثير.
– سنة 1342هـ سنة الغرق وتسمى «سنة الصفار الثاني». – سنة 1345هـ سنة البرد وفيها هبّت على نجد موجة برد شديدة في فصل الشتاء لم يأتهم قبلها مثلها وتضرر منها أكثر الناس.
– سنة 1347هـ سنة الجدري وقد انتشر في المملكة هذا المرض في عدة سنوات هي: 1347هـ، 1358هـ، 1368هـ. ومنهم من يسميه «الحصبة» ومات منه عدد كبير من الناس لعدم وجود دواء للشفاء منه، كما انتشر أيضاً بجانبه مرض «السل» وأخذ ينتقل بين الناس من جراء تداول الملابس بينهم، حيث اخذوا يبيعون الملابس المستعملة في الأسواق ثم يشتريها بعضهم من بعض ويلبسونها فتنتقل العدوى بينهم.
– سنة 1348هـ سنة الدبدبة في القصيم خاصة. – سنة 1349هـ سنة الجراد وفي تلك السنة كثر الجراد في منطقة الغميس بالقصيم في فصل الربيع وتنادى الناس لجمعه خوفاً على المزارع منه، وكانوا يأكلونه بعد طبخه. – سنة 1353 هـ سنة الهدامة هي السنة التي تعرضت فيها الكويت إلى أمطار غزيرة أدت إلى هدم الكثير من البيوت الطينية من الطين حيث شهدت الكويت في 7 ديسمبر 1934 (غرة رمضان 1353 هـ) هطول أمطار غزيرة بلغت كميتها حوالي 300 ميليمتر وهي ثلاثة أضعاف ما يهطل خلال عام واحد في الكويت وأدت هذه الأمطار إلى تهدم أكثر من 500 بيت وبلغ عدد المنكوبين حوالي 18,000 نسمة اضطروا إلى ترك منزلهم واللجوء للمدارس والمساجد والمباني الحكومية وبلغ عدد المصابين الذين سجلوا رسمياً في دائرة الصحة 11 مصاباً توفي منهم 2.
– سنة 1354هـ سنة مطربة وسميت بذلك لهطول أمطار غزيرة على منطقة نجد، وسال كثير من الأودية مرارا ويقال إن وادي الأديرع في منطقة حائل سال 47 مرة وقد عم الربيع والخصب منطقة نجد في تلك السنة. – سنة 1361هـ سنة الغبار ويسمي أهل حائل وغيرهم هذه السنة بسنة الغبار، نظرا لكثرة الغبار والعجاج في تلك السنة علما بأنه أقل مما يأتينا في السنوات الأخيرة. – سنة 1361هـ سنة الغرقة الاولى وسميت بسبب كثرة الأمطار التي هدمت بيوتا ومات ناس هدما وغرقا. – سنة 1365 هـ سنة أبو ذيل حيث بدا لسكان في منطقة تبوك شمال المملكة وفي الوجه تحديدا في يوم قائظ حار وبعد العصر قبيل الغروب وشاهدوا مرور نجم له ذيل طويل من الدخان أو غبار طويل يشبه الذيل بالعين المجردة مملوء بالأحجار والحصى ووصف من شاهده ممن تجاوز عمره السبعين عاماً شكله المهيب وذكروا ما أصاب الناس من ذهول شد أنظارهم نحوه بمنظره الذي سبّب الرعب في قلوبهم حيث لم يتعودوا على مثل هذه الظواهر الغريبة وظهر نجم أبو ذيل لهم بوضوح لقربه الشديد من الأرض وذكروا أنه اختفى مع مغيب الشمس حسب الروايات – سنة 1368هـ سنة لوفه ومعنى لاف: أي أخذ كل شيء وهي في نهايات الحرب العالمية الثانية وقيل ايضا ان تاريخها بين عامي 1364هـ/1365هـ حيث انقطعت الأرزاق ” المواد الغذائية ” وتوقف الموانئ العالمية عن الحركة التجارية بسبب الحرب فانقطعت الأسواق عن امداد السكان بما يحتاجونه ويعتمدون عليه من أرزاق كما يسمونها مثل: الطحين والرز والقمح والحبوب والسكر والشاي وسميت أيضا سنة حشرة العيش بسبب انقطاع الأرزاق وهي سنة حدث فيها دهر شديد بانقطاع المطر وجفاف الآبار وانعدام الماء وجفاف الأرض وانتشار الأمراض والأوبئة ومات خلق كثير ومات من الحلال أكثره ولم يعد الناس يملكون ما يبقيهم على قيد الحياة مما حدا بأكثر سكان البادية للهجرة إلى الشمال هربا من هذه الأحداث المريعة وتشتت الناس وكل حي قصد وجهة يرى أنه سيجد فيها البقاء فسميت أيضا سنة ” شتّه ” نسبة للشتات الذي حصل للناس من هذه الأحداث هربا من الفقر والجوع والموت وفيها قال الشاعر حمدان بن عزّام:
أيامنا مثل الركاب المقافي جيت أتلحّقهن وهن قوطرن أمس
والضيف ما نعطيه غير العوافي واما العلوم الأوله ما لها رمس
فأيده الشاعر محمد بن طليحة برد:
والمحتدي في ايامنا تقل حافي والطور ظله ما يظلل عن الشمْس
أونس في قلبي مثل دق الاشافي كنّه طريح فراش ولا يداني اللمْس
هنّيت خبلٍّ ما يعرف القوافي ولا يدري إن الست أكثر من الخمْس
والمنبطح تسفي عليه السوافي مثل الذي يركض وغاشيٍ له الطمْس
– سنة 1369هـ سنة معيض بعد أن شبع الناس في هذا العام شتاتا وغربة وفقرًا وجوعاً وموتاً, جاء العام الذي تلاه أي 1369, فغشتهم الرحمة من رب العالمين, وعوض الله العباد بكثرة الخير, فهطلت أمطار وسْمية منهمرة لم تكد تنقطع, أدت إلى سيول عارمة, سالت بها الوديان, وارتوت منها الأرض بعد الجفاف, واكتست الأرض ربيعا ظهرت بوادر خيره على العباد, نبتت فيه جميع أنواع الأعشاب النافعة, وأزالت الغُمّة وأعادت الحياة للمنطقة بعودة الحركة التجارية للموانئ العالمية بعد توقف الحرب العالمية الثانية بالاستيراد والتصدير والتبادل التجاري للمواد الغذائية ومنتجات العالم, وانتعش السكان, وزادت نشاطاتهم, وخففت من أثار العام السابق الجسيمة التي عانى منها المجتمع, فوسموا العام بسنة (معيض) أي من العوض. – سنة 1371هـ سنة الظلمة وتسمى ايضا سنة الكسوف حيث كسفت الشمس في المملكة وأظلمت الدنيا على الناس. – سنة 1376هـ سنة الغرقة وتسمى «سنة الهدام» وفيها هطلت أمطار متواصلة «ديم» على القصيم استمرت «40 يوماً» وتهدمت منها المنازل المبنية من الطين وخرج الناس منها خوفاً من سقوطها وأقاموا لهم الخيام خارج البلدة.
– سنة 1377هـ سنة الشاروط وهي سنة حدث بها أن زاد البرد على البشر بشدته الغير محتمله وتواصل هطول المطر لمدة شهر كامل دون توقف وتجمد الماء وهبت العواصف شديدة البرودة على غير المعتاد للناس وتسببت في موت الكثير من الحلال وسميت شاروط لان الماء ينزل من السحاب متواصل وكان يتجمد على الجبال يأخذ منظر الزجاج
– سنة 1382هـ سنة الريح حيث هبت ريح عاصفة اقتلعت الخيام وبيوت الشعر وانعدمت الرؤيا في أول يوم عيد الأضحى واستمرت لعدة أيام
ولأن القصص التي حدثت اثناء تلك الكوارث كثيرة سوف نورد بعضا منها على حلقات
ونبدأ بأول قصة وهي حدثت بالقصيم وبالتحديد في مدينة بريدة وهي عن موقف كبير لرجال اسرة الشريدة وهو محمد بن عبدالرحمن بن يحيى الشريدة واخيه منصور
واسرة الشريدة في مدينة بريدة أسرة كريمة وعريقة لها ولأفرادها الأوائل والمعاصرين مقامات مشهودة سواء على المستوى السياسي أو العسكري وهم من أعيان ووجهاء بريدة ومن كبارها ويمتازون بالخلق الرفيع والتواضع وحب الخير
كما تشتهر الاسرة منذ القدم بتاريخ اجدادهم بالشجاعة والكرم والنخوة والنجدة والإيثار ومعروفين والكثير من الصفات الطيبه كما يشتهرون في حب الوطن والدفاع عنه وبذل الغالي والنفيس لاجله وقصصهم كثيره بالمشاركة والوقفات المشرفة مع الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه ..
ولقد تشرفت بصداقة الكثير من ابناء هذه العائلة الفاضلة الكريمة وفقدت خلال السنوات الاخيرة صديقين من هذه الاسرة وهما من خيرة رجال بريدة خلقا وادبا وتعاملا
حيث توفي الصديق الشيخ فهد بن محمد الفهد الشريدة وهو أحد أعيان مدينة بريدة وعضو شرف نادي التعاون إثر حادث مروري يوم الاثنين 25 فبراير 2013م
وبعده بعامين وبتاريخ يوم الجمعة 21 اغسطس 2015م وإثر مرض مفاجئ فقدت صديقا آخر وهو الاستاذ عبد الله بن يحيى الشريدة رئيس نادي التعاون والذي حقق معه الصعود للدوري الممتاز عام 1997م
رحمهما الله واسكنهما فسيح جناته
والقصة التي سنتحدث عنها حدثت في سنة الجوع عام ١٣٢٧ هـ وأبطالها الشيخ محمد بن عبد الرحمن الشريدة وشقيقه منصور
والشيخ محمد بن عبدالرحمن بن يحيى الشريدة أحد زعماء مدينة بريدة وأحد أشهر الرجال فيها آنذاك ومن رجال العقيلات ولد عام 1263هـ وكان جنب إلى جنب مع الملك عبد العزيز وشارك في عدة معارك منها (روضة مهنا) و(البكيرية) و(وادي الرمة) والطرفية الصغرى وآخرها معركة جراب 1333هـ، حيث توفي فيها رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته….
كان هو وأخوه منصور مشهورين بأفعالهم الخيرية وحبهم للفقراء والمساكين ومساعدة المحتاجين ومن أفضل أعمالهم أنهم كانوا يعطون النساء المتعففات ومن لا عائل لهن ليلًا ممن يستحين أن يعرفهن الناس، فكانوا لا يسألونهن عن الأسماء، ولا عن المكان وكان محمد رحمه الله إذا سافر إلى الشام ومصر حرص رجال العقيلات على أنهم يخاوونه ويرافقونه ويساعد الذي يحتاجون لمساعدته من النقود أو طلب الإبل أو غيرها.
وهذه القصة هي قصة شهامة وتضحية ذكرها العديد من المؤرخين امثال الشيخ العبودي في كتابة اسر بريدة وذكرها فهد المارك في كتابه (من شيم العرب) وذكرها إبراهيم المسلم في كتابه (رجال من القصيم) وغيرهم الكثير
وتقول القصة انه في ليلة من ليالي سنة الجوع عام ١٣٢٧هـ أصيبت البلاد بالقحط وقلة الأمطار ونفذت الأطعمة بالأسواق حتى من يملك النقود لا يجد ما يشتري من الطعام وأصاب الناس الجوع وصارو يموتون بالشوارع وعلى عتبات الأبواب يتم قرع الأبواب فلا يفتح لهم لعدم وجود طعام في البيوت فيموتون على عتبة الباب وكان الناس من شدة الجوع والفقر يأكلون الأعشاب والعظام والنوى والحيوانات الفاطسة
وكان محمد و أخوه منصور بن عبد الرحمن الشريدة من أسرة تجاريه وذات ثقل اقتصادي كبير ولهم مزارع تنتج من التمر الكثير ولهما ضيعة ومخازن مليئة بالتمر وهما شركاء فيه
وذات يوم في سنة الجوع حين رأي محمد الشوارع يتساقط فيها الناسُ حاضرة وبادية كبارًا وصغارًا رجالًا ونساء يتساقطون من الضعف والجوع ويتضورون جوعًا ويملأون الطرقات فلم يسعه إلا أن يلبيّ نداء ضميره الحي
قال محمد لأخيه منصور: أنني عزمت على بيع المال (التمر) على الله وصدقه في سبيله وابتغاء مرضاته وتطهيرًا لأنفسنا من الذنوب بإذن الله.
فقال منصور وأنا كذلك وقف محمد بن شريدة بتلك الليلة (ليله الجوع) المدلهمة منادياً بصوته الجهوري قائلاً: أيها الإخوان من أراد الطعام وكل من هو بحاجه للتمر فليأت عند باب ابن شريدة ويجدني اخي منصور .. ونهبه لكم بلا ثمن ثم نادي في الرجال والشباب الأقوياء ليساعدوه وانطلق بهم إلى منزله وجمع مئات الأواني صغيرة وكبيرة وملأها بالتمر وأحيانًا بالماء والتمر فلبى الناس لهذا النداء وتزاحم الفقراء والمحتاجين عند باب ابن شريدة وبدأ مع مساعديه في إنقاذ المئات من الناس وظل يقسّم بينهم كما اصبحوا يبحثون عن الناس في الشوارع وينقذون من لحقوا به من الموت وينقلون الجوعى ويضعونهم عند التمر واستمر مدة أيام حتى نفد التمر مع ما يصحبه من ملابس ومبرات أخرى وسيربح بيعهما باذن الله.
وكان والدهم عبد الرحمن قد أصبح شيخًا كبيرًا لا يخرج من البيت فقال لابنيه محمد ومنصور: وش سويتوا بالتمر؟ عساكم بعتوه مع هالغلاء بالاسعار قالوا بعناه قال: من هو عليه بعتوه؟ قالا: سلمك الله بعناه على الله رب العالمين قال: نعم البيعة الله يقبل وفرح لذلك واضاف أرجو من الله أن أكون شريكاً معكم
ويقال انه بلغ ما أنفقاه في يوم واحد ثلاثة آلاف وزنة من التمر (تعادل 4500) كيلو جرام وهي كمية كبيرة تعتبر إنتاج مزرعة أو مزرعتين كاملتين
بينما ما وزعوه مجانا تلك الايام جميعها يقدر بـ30 ألف وزنة تمر[٤٠طن]
قال أحدهم من قصيدة له:
من مثل إمحمّدْ بالازمان العسيره خمسين ليلة واقفٍ يبذل الزادْ
من مثل إمحمّدْ والليالي خطيره يشُبّ نارٍ يدهلة كلّ ورّادْ
محمّدْ نظيف القلب صافي السريره راع الكرَم والجود هو فَخر الأجواد
وقد نظم جارهم وشاعر حيهم الشعبي الشاعر ناصر أبو علوان قصيدة عصماء مؤثرة توضح تفاصيل ما عمله محمد الشريدة وأخوه وشريكه في المال منصور الشريدة ومصوراً الموقف النبيل فقال:
قال الذي ما قال زود ولا زور وقول بلا فعل هله يقمحوني
وقت جرى جوع به السعر محصور بان القصا من قِلْ ما ياجدوني
فازوا به اللي قدموا كل ميسور مثل الشريدة شي تشوفه عيوني
أنا شهيد محمد هو ومنصور بدفع البلا كل الملا يشهدوني
وأنا قصير محمد هو ومنصور جيرانهم بصحونهم يرثعوني
صغار وكبار وزود هل الدور اللي بهن لحقوقهم يرسلوني
لي نوخوا ما قالوا الباب مسكور الضيف ضيف الله ولا يزعلوني
حران ذبح الضان وجنوب وظهور وزاد يكوم في كبار الصحوني