من أوجه الآلام والأوجاع التي عانت منها “حريم أول ( فقدان الأحبة ) وقد حفظ التاريخ لنساء الجزيرة العربية صبرهن في تحمل الصعاب لاسيما في فراق الأزواج وفلذات الأكباد، وإن اختلفت الأحوال وتباينت ظروف المكان والزمان تبقى عاطفة المرأة تجاه ذويها و”عزوتها” جبلّة “لا تنتطح فيها عنزان”، ولا يختلف فيها اثنان؛ إذ طالما رسمت بمدامع الفراق ولهيب الأشواق قصائد ترثي فيها الأحباب والأصحاب وتحكي لمن سيخلفها من بنات بل وحتى أبناء- حواء كيف كانت الجدات والأمهات يطأن الأشواك ويتجرعن الحنظل ليزرعن الورود للأحفاد، ولا أدل على ذلك إلاّ صبرهن على فراق الأحبة .. والمرأة في حياة العقيلي كانت ذات شأن عظيم فالعقيلي شديد التعلق بأمه ويعظم رضاها ويعتقد بأن التوفيق من رضا الأم يفاخر بالود لها بين الرجال ويقدر صبرها على الفراق فلا تروق نفسه لمتعة بسواها مهما طال ذاك الفراق كما صورت ذلك الشاعرة حصة بنت محمد الفوزان الاسعدي الروقي من قبيلة عتيبة -رحمها الله- شاعرة مجيدة وأمٌ بارّة ونشأتها كانت في خضيراء القريبة من بريدة آنذاك وحاليا هي حي من احيائها وكان زوجها متوفي ولها ابن أسمه محمد وكان أكبر أبنائها وبسبب ظروف الحياة الصعبة آنذاك اضطر إلى السفر مع العقيلات كالكثير من أهل القصيم وعامة أهل نجد للتجارة في بعض الدول العربية ولكن لم توافق على سفر ابنها مع العقيلات لصغر سنه ولكن كان لعمه والوصي عليه رأي آخر فسعى العم لدى الأم بأن قال لها إن محمد قد بلغ الحلم وبات عليه أن يتعلم صنعة الرجال لذا سوف يعهد له بعمل في مزارع رواق جنوب بريدة (حاليا هي حي من احيائها) ليعمل في فلاحة وانه لن يغيب عنها كثيراً وقبلت حصة على مضض طالما أن ابنها محمد سيكون قريب المنال منها ولكن العم كان يبيت أمرا ما فعندما أخذ محمد من أمه ذهب به لبيت أحد أقربائه في طرف المدينة وبات عندهم ليلتين قبل أن يصحب حملة العقيلات للشام التي كان يعد لها منذ مدة وكانت حديث البلدة الصغيرة
وبعد أيام علمت الأم بأن ابنها بات بعيداً ولن يعود إلا بعد سنين وكانت تعلم بقرارة نفسها بأن العم لم يرد بابن أخيه إلا الخير فهو كفيله وبمثابة والده وقرة عينه أن يصبح رجلاً من رجال عقيل
ولكن عاطفة الأم جياشة والفراق يورث ألم لا يحتمل لذا لم تقو هذه الأم الحنون على فراق ابنها الذي باعدت به الأيام إلى خارج نجد ولا يوجد في الكون كله أصدق من مشاعر الأم تجاه أبنائها والغائب منهم يحصل على نصيب الأسد من هذه المشاعر الصادقة المخلصة ونسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لبر والدينا في حياتهم وبعد مماتهم.
فجادت مشاعرها بقصيدة بقيت في أذهان الناس يتداولونها واشتهرت تلك القصيدة فتداولها رواة الشعر الشعبي
فقالت:
يا محمد روّحت فالزمل ملحاق وأبعدت عنّا يا ضنينة فؤادي
من أول نرجي تجينا من (إرواق) وأحسّب الأيام عدٍ عدادي