محمود كان انك تغربت يومين فأنا تراني غربةٍ لي طويله
هذا البيت اعلاه ورد في قصيدة لها روايتان وكلها من افواه الرواة ولم تدوّن في كتب التراث وربما أن الشخص في الروايتين هو نفسه ولكن الاختلاف في احداث القصة و لذا من باب الأمانة أن نورد كلا الروايتين
والقصيدة في مجملها تتحدث عن الغربة ومن منا لم يكتو بنار الغربة وحرقة بعده عن أهله وعن وطنه , من منا لم يذرف الدموع علها تخمد ببرودتها حرقة الاشتياق حينما يشتدان بأروقة القلب أو تذيب بحرارتها صقيع الوحشة الموحشة وسط حشد كبير من الذكريات لملامح الوجوه وروائح الأمكنة , فلن يشعر بما يجيش في صدر المغترب إلا من تغرَّب عن بلده وغاب عن أهله وأصحابه وجيرانه لسنين طويلة , فالغربة هي البعد عن الوطن والأهل والأجواء المعتادة , ويتغرب الإنسان من أجل الدراسة أو كسب العيش أو ربح مادي أفضل ويطمح إلى الوصول إلى مستوى معيشي مرموق على حساب تغربه عن أهله أو قد يغترب بشكل قسري في حالات الحروب وانعدام الاستقرار الأمني والسياسي
الرواية الاولى تقول ان القصيدة للشاعر ناصر بن بليهيد العتيبي وأرى انها الرواية الصحيحة
الشاعر ناصر بن بليهيد بن رسام الثبيتي العتيبي وهو من الشرمان من العفارين من ذوي ثبيت الروقة أصيب بمرض في عينيه وكانت المملكة في تلك الحقبة في بداية طور التنميه في كافة المجالات بما فيها القطاع الصحي والمستشفيات فذهب شاعرنا الى الخارج للعلاج
وقد تحدث ابنه خلف بن ناصر بن بليهيد وأكد هذه الرواية وأنها حدثت لوالده رحمه الله عام 1361هـ في فلسطين وان اسم المستشفـى (مشفى تيخو) وأنه دخله للعلاج بتوصية من الملك الهاشمي عبدالله الاول ملك الاردن
وونسكمل القصة بعد أن دخل ابن بليهيد المستشفى وبدا في العلاج هناك وكان وحيدا بمفرده وهو رجل بدوي متدين من قبيلة محافظة ثم يتواجد في بلد منفتح وهو يرى العري والمعاصي امامه بقوة عين وكان ذلك مؤثر عليه.
وبعد أن اجرى عملية في عينه ونجحت استمر في العلاج والغربة والوحدة عشر اشهر وكان بجوار شاعرنا شخص يسمى (محمود) وكان ابن بليهيد يحادثه ويسولف معه وكان محمود يأتيه اقاربه واهله بشكل منتظم وفي مرة من المرات انقطع اهله عنه مدة قصيرة فحزن واخذ يشكي على ناصر بن بليهيد ويقول:( ياناصر انا غريب هنا) فقال ناصر ( وين اهلك يامحمود) قال : ( اهلي في ضيعة تبعد 80 كيلو ولي اسبوع ما جا لي احد) فتهيض ناصر ابن بليهيد وقال قصيدته
محمود كان انك تغربت يومين فأنا تراني غربةٍ لي طويله
وأنكان تبكي ساعةٍ من وجع عين أنا عيونـي ما يبطل هميله
انته يزورك كل يومٍ صديقين موتك من اللي ماش حيٍ يجيله
مقطوع صيحة طايحٍ في فلسطين ما له من الفزعات مومي شليله
وإن حل فية المطروي قيل مسكين مجهول حق بـديرةٍ ما دري له
يـونس وصابر والملا غير دارين وكبده تقلب فوق حام المليله
كن الدقيقة طولها طول يومين والليله الوحده ثمانين ليله
أنا وحيش وعند ناسٍ وحيشين الكل منا ما يونس قبيله
أرجالهم ما تفرق الزين والشين ونسوانهم ما تلبس الا فنيله
امن الاصابع لأوسط الرجل عارين الله لا يجبر عزاها قبيله
يالله يا منزل تبارك وياسين وطه وعمّ للمذكّر فضيله
عاقل على يعقوب شوفه والإثنين يوسف وأخوه بغير حيلٍ وحيله
يا مبطلٍ كيد النصارى الملاعين بالشمس يوم إنه خطبة خليله
يا خالقٍ جنة ونار وموازين يا عالمٍ بالحال عدله وميله
الوقت هذا دخل الزين بالشين وين العميل اللي صدق مع عميله
وين الربوع اللي على الود صافين وين الرفاقه والوطن والقبيله
الرواية الثانية الضعيفة التي ورد فيها بعض الابيات رواها احد رجال العقيلات ولم يذكر اسم الشاعر وربما انه نفس الشخص ولكن احداث القصة تختلف
يقول ذلك الشخص انه تغرب اكثر من خمسين سنه وهو من منطقه القصيم من اهالي حي الشقه شمال بريده وتحدث عن رجال العقيلات وتجارتهم ونشاطهم والديار التي وصلوا لها وكم يتغرب الواحد عن اهله ومدينته وقال انا تغربت من عمري خمسين سنه في بلاد الشام ودخلت فلسطين وعشت كم سنه من عمري فيها واتنقل من مدينه الى مدينه ومرات اطلع الى الاردن وسوريا ومصر وارجع الى القصيم واعود ثاني مره وهذا الكلام باول حياتي يوم كنت شباب واستقريت في الاردن خمسين عام حتى عدت من قريب للقصيم ومن المواقف التي حدثت لنا عن مرارة الغربة كنا ياعقيلات في فلسطين آنذاك ونجتمع مع بعض وكان معنا رجل من العقيلات يعالج بالطب الشعبي وياتون اليه اهل الاردن وفلسطين للعلاج اذا كان موجود فهم دائم ما يسألون عنه ويفرحون اذا جاء من نجد وفي يوم من الايام اتى رجل مريض يتالم من عينه وكان يدعى ذلك الرجل الفلسطيني أسمه محمود دخل الى الطبيب الشعبي وكشف عليه وقال له سوف اعطيك هذا العلاج وكل يوم تاتي واكشف عليك لمدة خمسه عشر يوم فقال محمود لا استطيع ان ابقى هنا انت تعرف باني اتي من حيفا وتبعد عني مسافه تقريبا تسعين او مئه كيلو ولدي اطفال لا استطيع ان اتركهم خمسه عشر يوم صعبه جدا علي والله ماقدرت اصبر يومين من طلعت عنهم الى ان وصلتك فكان موجود في الجلسة رجل من رجال العقيلات من أهل نجد جالس ويستمع لكلامه وتعجب منه كيف لايستطيع ان يجلس خمسة عشر يوم ونحن ياعقيلات اللي متغرب عن اولاده عشرين سنه واكثر واقل واحد منا يمكن له ثلاث او خمس سنوات مغترب واخذ يتفكر باهله واولاده ويتفكر كذلك في كلام محمود وقال هذه الأبيات في محمود من قصيدة طويلة لا اتذكرها كلها ولكن اتذكر منها هذه الابيات
محمود كان انك تغربت يومين حنا تغربنا سنينٍ طويله
محمود كانك تشتكي من وجع عين انا عيوني ما تبطل هميله
انا غريب وعند ناس غريبين والكل منا ما يونس قبيله
في ديرة ما تفرق الزين والشين وحريمهم ما تلبس الا فنيله