قصة و سيرة الفارس والشاعر تريحيب بن شري بن بصيص المطيري
من هو تريحيب بن شري بن بصيص
هو الفارس والشاعر تريحييب بن شرى بن مغدن بن عليان بن بصيص من امراء الصعران من بريه من قبيلة مطير العربية المشهورة ونشأ في أسرة يعبق تاريخها برائحة البطولة والفروسية والشهامة وهو الأكبر بين إخوانه غلاب وغالب
ووردت سيرة الفارس والشاعر تريحيب بن شري بن بصيص من خلال الشاعر منديل بن فهيد – رحمه الله – في كتابه من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية قصص وأشعار (الجزء الخامس) وكذلك ذكرها ابراهيم الخالدي في كتاب الفريّس – سيرة بعض فرسان الجزيرة العربية كما وردت سيرته في مؤلفات كثيرة منها كتاب شعراء من مطير للفترة من أواخر القرن 13هـ الى أوائل 14هـ لمؤلفه عبد العزيز بن سعد السناح وكتابه الآخر الخيل والأبل عند قبيلة مطير وورد ايضا في كتاب أعلام في الجزيرة العربية والخليج العربي لمؤلفه أحمد برجس كما جاء ذكره في كتاب حياة البادية في نجد لمؤلفه عواض بن ضيف الله العتيبي كذلك كتاب مرويات الامير محمد الاحمد السديري لمؤلفه سليمان الحديثي وايضا كتاب تاريخ قبيلة مطير تاليف خالد الهفتاء و منصور الشاطري
ولد تريحيب عام ١٨٧٥م 1292هـ وتوفي عام 1898م 1315هـ ورغم صغر سنه عند وفاته حيث لم يبلغ الرابعة والعشرين من عمره الا وقد طارت بذكره الآفاق وتحدث الناس عن بطولاته النادرة وافعاله الطيبة فهو بحق من أفذاذ الرجال شكيمة لا تعرف التهاون وعزيمة لا تلين فقد جمع في نفسه الشجاعة وقوة البأس واقدام علي الموت بثقة لا حدود لها وايمان المحب لقومه وابناء قبيلته . اتقن تريحيب ركوب الخيل وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره على فرس والده شرى بن بصيص المسماة الجدعاء وقد اعجب بشجاعته وفروسيته خاله وابن عمه بنفس الوقت الشيخ نايف بن هذال بن بصيص فاهدى له فرسا صفراء اسمها (سليمة) واخوال تريحيب بن شري المريخات شيوخ قبيلة واصل القسم الثالث من قبيلة مطير حيث ان والدة تريحيب الفاضلة دماثة بنت فدغوش المريخي والسيدة دماثة هي شقيقة نايف بن هذال من والدته وخلف شري بن بصيص غالب وغلاب وهما من مشهوري فرسان مطير وقتلا بعد مقتل تريحيب احدهما قتل في غزوة له على شمال المملكة والآخر قتل في غزوة له. ثم تزوج شري بن بصيص فتاة من بنات السور العائلة المشهورة بالكرم والفروسية بين مطير وقبائل العرب وانجب منها غلاب وجهجاة ولا يزال احفادهما الآن يتصفون بنبل الاخلاق والفروسية وكرم الرجال
والبصايصة أسرة كريمة عريقة لها شهرة كبيرة في نجد والجزيرة العربية وقد برزوا في القرن الثالث عشر الهجري، مع تزعم عالي بـن غـريــر بـن بصيص ليصبح شيخ الصعران، وبعد وفاته في الأرطاوية تولى شيخة الصعران أخوه عليان، وحسب ما ذكر الرواة من البصايصة وغيرهم فإن أول من بدأ شيخة البصايصة هم الأخوان عالي وعليان، ويذكر الرواة أن لهما أخاً ثالثاً اسمه علي أنجب ولداً وانقطعت ذريته . ومن ذرية هذين الأخوين الفارسين أصبحت الشيخة مستمرة حتى يومنا هذا. وبعدهما تولى شيخة الصعران محمد بن عالي ثم هذال بن عليان ثم ماجد بن سالم بن عالي ثم نايف بن هذال، ثم مشاري بن بصيص إبان حركة الإخوان. وقد برزوا في الفروسية أيضاً وأبرز فرسان البصايصة في ذلك الوقت كان سلطان بن محمد بن عالي وتركي بن عليان وابنه خالد بن تركي الملقب براعي الدرع ونايف بن حسين بن عليان، وجميعهم من الفرسان الأشاوس. لكن ظهر في زمن شيخة نايف بن هذال بن بصيص فارس غطى على شهرتهم وفاقهم جميعاً، وفاق كــل فرسان زمانه، وهو تريحيب بن شري بن مغدن بن عليان بن بصيص حيث لم يكن فارساً عادياً بل أسطورة من أساطير الشجاعة والبطولة وأحد الأفذاذ القلائل الذين يشار إليهم بالبنان.
نشأته وصفاته الشخصية
نشأ تريحيب في الباديه وامتزج مع أبناءها وعاصر والديه وعاش طيلة حياته بين أهله وعشيرته وكانت تصرفاته المألوفه واللافته للنظر وعمره في بحر العاشرة حيث كان يجمع من كان في سنه من الاولاد علي شكل طابور عسكري ويتقدمهم حاملاً بيده عصا لتمثيلها بالسلاح تنبى بأنه سوف يكون له شأن كبير وهو ماحصل فعلاً.
كان طويل القامه مفتول البناء ذو عينان حادثتان ، وكان يتحلى بجمال المنظر وله شخصيه مهابه وكان شديد الخجل وكان لايحب التطاول على احد اومضايقة ايا من كان .
سلاحه وفروسيته
الفارس تريحيب بن شري بن بصيص يتحلى بالشجاعة والفروسية كما كان صعب المراس وعنيدا بطبعه وتربطه صداقة قوية مع سند السبيعي احد فرسان فخذ الهوامل من قبيلة مطير والذي يضاهيه بالعمر وفي عصر احد الأيام انصبت اقوام لا تحصى على برية وتماوجت الخيل ما بين الطرفين فقد قتل سند في تلك المعركة في مكان يسمى صاهودة الجنيفا والصاهودة في لغة البادية هي عبارة عن مرتفع أرضي رملي التربة أما الجنيفا فهي عبارة عن ماء يشبه البئر بتكوينها تسمى العين وكان تريحيب بن شري يخوض غمار تلك المعركة ولكن ليس له علم في ساعة مقتل صديقه سند وعندما عاد من مطاردة خيول أعدائه وجد صديقه سند مقتولا فأقسم اليمين لو أنه علم عن مقتله فلا يرجع عن مطاردة الأعداء حتى يدخلهم في وادي الهييشه الذي يقع شرق نفي في نجد
كان تراحيب يستخدم نوعان من السلاح القتالي هما السيف والشلفا ذات اللسان العريض وعن كيفية استخدامها فإن السيف يستخدمه للضرب عن قرب اما الشلفا يستخدمها في حالة ابتعاده الفارس عنه بطريقه الزرق
الشاعر محمد خلف الخس المطيري شاعر أثرى الساحة الشعبية وتتناقل شعره عامة الناس لجزالته ولقوته ولعذوبة معناه ومن قصايده قصيدة غزلية أخذ فيها الوصف والتركيب من وحي الصحراء ومن البيئة التي عاشها الشاعر ما يجعلنا نتذكرها من خلال تصويراته الشعرية فيها والتلذذ بالألفاظ النابعة من بيئة الشاعر والتي قد اندثر منها الكثير وأصبحنا نسأل عن بعض معانيها أو ما تعني عند تركيبة لها وفيها يصف فتحة مضراب شلفا في القصيده متذكرا هذا الرجل العظيم حينما يقول:
الله من قلب عوى عويت الذيب ذيب عوى لجت ضلوعه ولجي
عليك يا راع العيون المهاديب سود مضاليل وساع وبجي
سود تشذب بسرة القلب تشذيب طحت بخطرهن يالله انك تنجي
سهومهن تسطي على القلب وتصيب تخج صندوق المعاليق خجي
يا صاحبي حبك لقلبي عواقيب ارفق علي شوي قبل استجلي
ياللي عليك عيون الامه مراقيب تقول بين شفاك در يمجي
يم الحبيب اللي هروجه تعاجيب يا عين لدي له ويا رجل سجي
تريحيب في المدينة المنورة
سافر تريحيب إلى المدينة المنورة لأمر لم نتبينه، وغالباً أنه قام بالزيارة، والسلام على النبي عليه الصلاة والسلام والصلاة في المسجد النبوي الشريف. وفي هذه الرحلة اشترى بعض الهدايا لعائلته، كما اشترى جارية اسمها فاطمة، أهداها على والده، وكانت هذه الجارية معجبة أشد الإعجاب بتريحيب وتفتخر فيه دوماً، وتطبعت بطباع العرب، فكانت تعتزي وقت الحماس قائلة: أنا أخت تريحيب.
الشعر والحب في حياة تريحيب
كان تراحيب بن بصيص يجيد الشعر اجادة تامه ولكنه كان يحتفظ على تلك الماده الشعريه شأنه كشأن البعض ولعل ابياته الغزليه أصدق دليل على ما قيل عن شاعريته
تزوج تريحيب من فيحاء ابنة الفارس خالد بن تركي بن بصيص ومات قبل أن ينجب منها فليس له ذرية.
وكان وسيما بهي الطلعة ولشهرته المذهلة في الفروسية أصبح فارس أحلام بعض الفتيات ويذكر الرواة أن فتاة من قبيلته عشقته وهامت به حباً واشتهر حبها له فلامها البعض على ذلك فقالت قصيدة ترد فيها على لوّامها ليعذروها في حبها:
لي صاحب ما اقوى العزا عنه يا مطير إلا يموت ومـــوتـتي مــــن مماته
يثني جواده والسبايا مناحير وما احد على الزَّلْبَاتِ سَوَّى سَوَاته
شوفه ينبت بالنواظر نُوَاوِير وبعده على قلبي غبون وشماته
واحسرتي وان بعدته المقادير وقلبي يفز لحروته والتفاته
أما حبه الخالد الذي سكن شغاف قلبه فكان مع فتاة من الدياحين من مطير اسمها خليوية بنت معجب الطَّحِيشل، وكان حباً عذرياً شريفاً عفيفاً، وقد اشتهرت قصة حبهما عند مطير. ومما يدلنا على شدة حبه لها تلك الحكاية الطريفة التي يذكرها رواة مطير : أنه كان نائماً فسمع أمرأة تنادي ابنتها واسمها خليوية، ففز من سباته يظنها حبيبته، ولما تبيّن الأمر فإذا هي طفلة، فقال هذه الأبيات:
لعل من سمّى سمي ابن هنّي ينسم حاله والعرب ما دروا به
ياخذ ثمان سنين وان قام وني والتاسعه شالوه في سمل ثوبه
يا واحد جاني وانا مرجهنّي عساه يبلى بالمرض والعقوبه
ومن أشعاره في محبوبته خليوية يقول:
ما اطيع في صاحبي يا ناس نسم عشيري نسم جنّه
ليا هب من يمه النسناس ريحة أطيابه لها بنّه
وعندما رحلت معشوقته مع أهلها قال:
يا ذيب لو ان العوا فيه ثابه عويت مثلك لين يبدن الانوار
علمي بهم يوم اقتفتهم ضبابه راحوا وانا كني على صالي النار
أما خليوية فكانت مثله مقلة من الشعر، وذكر لنا الرواة بعض أشعارها فيه، ومن هذه القصائد أبيات قالتها حين بلغها خبر إصابته في المعركة، ولم تكن متأكدة من مقتله، فكانت تريد الاطمئنان عليه وتتمنى سلامته، فقالت:
ياحسين نشد عن ضنيني مريزيق ارجي عسى ماهو عطيب صوابه
هو حرزهن وان درهمن مع طواريق وكم واحد عند الركاب التوى به
الخيل يركبها السهل والمضاييق والموت جعله عنه ينسد بابه
على سليمه صفق الخيل تصفيق وكل يهابه في نهار الحرابــــه
يا حسين حبّه شَلِّق القلب تَشلِيْق وخَلّى صناديق الضماير خرابه
ما شاقني غيره من الناس عشيق اللي غدا بالقلـب منـي نهابه
سمعت علم وصفق القلب تصفيق وعلم الفرح يا ليت منهو دری به
وسليمه التي تذكرها الشاعرة فرس صفرا لتريحيب كان كثير القتال عليها اهداها له خاله الشيخ نايف بن هذال بن بصيص ولكن سرعان ما جاء الخبر المفجع واسودت الدنيا على العاشقة العفيفة فقد تيقنت من مقتل معشوقها وآمنت ألا لقاء معه إلا يوم القيامة فبكته بأبيات جميلة كلها لوعة تتحسر على فقده وتدعو له:
برق سرى يم الحور له رفيفي جعله على دار الحبيب نشر ماه
عز الله انه طال مقطان ريفي هذي جواده عند غالب معفاه
الهجن جتنا ما لفاني وليفي والبدو جونا ما سمعنا بطرياه
امشي مع البطحا وادور وليفي وحتى مع الدوشان ما شفت حلياه
حطوه في قبر عميق كسيفي وجعل الظعاين دب الأيام تنصاه
لعل فوقه يستهل الخريفي آظن شيخان القبايل تنصاه
مروه یا اهل مُعَصَبَاتِ النَّكِيفي حيثه يحب مرافق الهجن وغناه
عليه دمع العين يذرف ذريفي وعليه صملان الضماير مطواه
اللي على كل القبايل مطيفي وبالسيف دايم تنثر الدم يمناه
من فوق صفرا خومست بالخليفي ما احد من الدوشان سوى سواياه
ومن لامني بالحب جعله يضيفي قليل حظ وكل الأنام تشناه
مقتله
كانت المعارك متعددة في تلك الفترة وفي سنة ١٣١٧ هـ في مكان يسمى الحور وادي يقع جنوب شرق البره شرق شقراء وجرى كر وفر على عادتهم في المعارك إلا أنه لم يكن أحد يجرؤ على مجابهة تريحيب وكان من بين الفرسان رام ماهر “بواردي ” فترصد لتريحيب وحين مر بفرسه وحانت الفرصة صوّبه ببندقيته الصمعا فكسر ساقه وقتل فرسه ولم تكن هذه الطلقه قاتله ولم يتوفى تراحيب على آثرها بل نزل عليه شخص آخر وأكمل قتل تراحيب بواسطة خنجر
وانطوت بمقتله سيرة فارس عملاق مغوار قتل في مقتبل شبابه إذ لم يتجاوز الثالثة والعشرين من العمر لكن ذكراه الطيبة باقية ولا زال الناس يتمثلون به ويذكرون قصصه بكل إعجاب حتى اليوم.
وكان مقتل تريحيب طامة كبرى على أسرته خاصة وقبيلته عامة وقد تحسر لمقتله أخوه لأمه الشيخ متعب بن جبرين وقال هذه الأبيات يتعهد بأخذ ثأره:
يا اهل الرمك زيدوا لهن بالبريره نبي ندور فوقهنه تريحيب
لا بد من يوم منيس نذيره عسامه اكبر من خشوم العراقيب
يا ليتني والموت ما فيه خيره حضرتهم والخيل غاد ٍ جناديب
حضرتهم من فوق حمراً ظهيره والله لأعشى جايع النسر والذيب
لومي على اللي يحتمون الجريره ما ريعوا له دايفين المغاليب
ربعي مطير ان شب للحرب نيره ايمانهم تورد سهوم معاطيب
وبعد عدة أشهر من مقتل تريحيب تم أخذ ثأره
قالوا عنه
شهد له بالشجاعة الفائقة الملك عبدالعزيز – رحمه الله – وهو من أعلم الناس بفرسان نجد والجزيرة العربية ومن مرويات الامير محمد السديري يقول كنا على مائدة الملك فيصل – رحمه الله ودار الحديث حول تريحيب بن شري بن بصيص فقال الملك فيصل : إنه سمع والده الملك عبدالعزيز يقول : أشجع من في نجد بوقتهم اثنان أحدهما حضري والآخر بدوي فسألنا الملك فيصل عن البدوي ؟ فقال لنا : تريحيب بن بصيص وسألناه عن الحضري فقال: عبدالعزيز بن متعب بن رشید.
كما ان بندر بن فيصل الدويش شيخ عموم مطير سأل عن تريحيب بن شرى بن بصيص فقال رجل من مطير انه سمع عماش بن عبد الله الدويش الملقب بـ (عماش الرجعه) من الدوشان يتحدث قائلا انه من عادة شري بن بصيص ونايف بن هذال بن بصيص اذا قامت الحرب ان يمسكا بتريحيب بن شري خوفا منه ان يغير قبل ان تستعر الحرب واكمل عماش الدويش قائلا عز الله انه نجم وغاب فذهبت مثلا وكان يعتزي تريحيب خيال البويضا اخو موضي .
قال الشاعر الأمير محمد الأحمد السديري – رحمه الله في بيتين يتحدث فيهما عن تريحيب بن شري بن بصيص
قالوا يجيك وقلت ما هو تراحيب اللي ظهر في نجد صيته وطيبه
الخيل يركبها الوَعَرْ والسَّخانيب كم سابق من ضرب كفه عطيبه
وقال الشاعر سحلي العواي رحمه الله – :
قالوا هنيا قلت بامر المعازيب الله يخلي لي عيال السدارا
قالوا يجيك وقلت ما هو تراحيب نطاح خصمه في نهار المثـــارا
المصادر
عدد من كتب التراث وتاريخ نجد
جمع وبحث واعداد وكتابة التقرير الباحث والإعلامي ناصر بن حمد بن فهد الفهيد القصيم – بريدة تويتر