قصة الأصمعي والأعرابي الشاعر

قصة الأصمعي والأعرابي الشاعر

قصة الأصمعي والأعرابي الشاعر

اشتهر الأصمعي بمواقفه اللطيفة، خصوصا في قضايا الشعر، ومن هذه المواقف ان قال الأصمعي:
دعاني بعض العرب الكرام الى قرى الطعام، فخرجت معهم الى البرية، وكان هناك مأدبةٍ مليئة بأصناف كثيرة من الأطعمة، فأتوا بباطنة بأذنين – يعنى اناء أو جرة لها أذنين – وعليها السمن غارق
فجلسنا للأكل، وإذ بأعرابيٍ آتٍ من بعيد، كي يجلس على هذه المائدة من غير دعوة، وأثناء تفحّصه للطعام، مدّ يده لالتقاط “السمن”، وأثناء رفعه له، سال السمن من بين أصابعه وامتزج مع الغبار الذي كان يملأ يديه أيضًا، فجعل يأكل والسمن يسيل على كراعه – الكراع ما دون الركبة –
فقلت: لأضحكن الحاضرين عليه، فقلت:

كأنك أثلة في أرض هش
أتاها وابل من بعد رش

فالتفت الي بعين مبحلقة وقال لي:
الكلام أنثى والجواب ذكر وأنت:

كأنك بعرة في است كبش
مدلاة وذاك الكبش يمشي

فقلت له: هل تعرف من الشعر أو ترويه؟
فقال: كيف لا أقول الشعر وأنا أمه وأبوه؟
قال الأصمعي: فلم أجد قافية أصعب من الواو الساكنة المفتوحة ما قبلها
فقلت له: ان عندي قافية تحتاج الى غطاء.
فقال: هات ما عندك.
فقلت:

قوم بنجد قد عهدناهم
سقاهم الله من النوّ

فقلت له: أتعرف ما النو؟! فقال:

نو تلألأ في دجا ليلة
حالكة مظلمة لو

فقلت: لو ماذا؟ فقال:

لو سار فيها فارس لانثنى
على بساط الأرض منطو

فقلت: منطو ماذا؟
فقال:

منطوي الكشح هضيم الحشا
كالباز ينقض من الجو

فقلت: الجو ماذا؟
فقال:

جو السماء والريح تعلو به
اشتم ريح الأرض فاعلو

فقلت: فاعلو ماذا؟
فقال:

فاعلو لما عيل من صبره
فصار نحو القوم ينعو

فقلت: ينعو ماذا؟
فقال:

ينعو رجالا للفنى شرعت
كفيت ما لاقوا ما يلقوا

قال الأصمعي: فعلمت أنه لا شيء بعد الفناء، ولكني أردت ان أثقل عليه، فقلت له: ويلقوا ماذا؟
فقال:

ان كنت لا تفهم ما قلته
فأنت عندي رجل بو

فقلت له: البو ماذا؟
فقال:

البو سلخ قد حشى جلده
يا ألف قرنين تقوم عني أو

فقلت: أو ماذا؟
فقال:

أو أضرب الرأس بصوانة
تقول في ضربتها قو (يعني صوت الضربة)

انتبهت لبلاغة الأعرابي في الشعر فخشيت ان أقول له قو ماذا؟ فيضربني ويكمل البيت
فقلت له: أنت ضيفي الليلة.
فقال: لا يأبى الكرام إلا لئيم.
فقلت لزوجتي: اصنعي لنا دجاجة، ففعلت فأتيته بها وجئته أنا وزوجتي وابناي وابنتاي
وقلت له: فرق يا بدوي.
فقال: الرأس للرأس، وأعطاني الرأس، وقال: الولدان جناحان، لهما الجناحان، والبنتان لهما الرجلان، والمرأة لها العجز، وأنا زائر لي الزور، وأكل الدجاجة ونحن ننظر إليه وبنا نتحدث.
فلما أصبحنا قلت لزوجتي: اصنعي لنا خمس دجاجات ففعلت وأتيته بالدجاج
وقلت له: أقسم يا بدوي.
فقال: تريد شفعا أو وترا.
فقلت: إن الله وتر يحب الوتر.
فقال: كأنك تريد بالفرد.
فقلت: نعم.
فقال: أنت وزوجتك ودجاجة، وابناك ودجاجة، وابنتاك ودجاجة وأنا دجاجتان.
فقلت: لا أرضى بهذه القسمة.
فقال: كأنك تريد شفعا.
فقلت: نعم.
فقال: أنت وولداك ودجاجة، وزوجتك وبنتاها ودجاجة، وأنا وثلاث دجاجات، والله لا أحول عن هذه القسمة.
قال الأصمعي: فغلبني مرتين مرة في الشعر ومرة في الدجاج ثم انصرف

error: Content is protected !!