يا زين شب النار في تالي الليل الجو هادي والنجوم بسماها
جنبك كريم الطبع حلو التعاليل نفسه عفيفة وتجذبك في حكاها
أبيات تعبر عن أجواء «شبة النار» والتي تعتبر دفء تتدفق معه أحاديث الذكريات ويتسامر الناس ويروون القصص ويلقون أبيات الشعر
شبة النار ويطلق عليها بالعامية “شبة الضو” لها شعور جميل يسكن الروح التي تتنفس النسمة الدافئة لتلهب معها قريحة الجالسين فينثروا في المكان شعراً يتدفق من أحاسيس ارتوت بالدفء المتغلغل في شرايين الجسم البارد خصوصا في الليالي الشتوية الباردة حيث تحتفي المجالس ورحلات البر بأمسيات السمر وحديث الذكريات وليقضوا أجمل أوقاتهم عند مشب النار ويعيشوا أجواء الدفء ويعيدوا ذكريات الماضي التي تعتبر السمة الأبرز التي يحرص عليها الكثيرون كما يحلو السهر مع “شبة الضو” في دجى الليل البارد والجميع يحتسون القهوة والمشروبات الساخنة الأخرى كالشاي المعتّق والحليب والزنجبيل والكرك في الزمن الحالي حيث يندر ان لا تجد في كل بيت في المجتمع السعودي النجدي مجلس المشب والذي يتوسطه “الوجار” وهو مساحة دائرية أو مربعة مجوفة من الطوب الاحمر في زواية او منتصف الجدار يتم فيه اشعال النار وايقاد شبة الضو
شبّة النّار في كثير من مجتمعات الجزيرة العربية حضر وبدو تشير إلى إشعال النّار مع بداية فصل الشتاء لا بغرض التدفئة وإعداد القهوة العربية فحسب وإنما لأجل أن يلفت اشتعال النّار كل من يشاهد ألسنة اللهب سواء من الضيوف القادمين إلى الدّيار أو الجيران والزائرين والعابرين كنوع من التّرحيب بهم ودعوتهم لاحتساء القهوة العربية في ليالي الشتاء الباردة وما أن يشاهد الزائر أو الضيف شبّة النّار المتّقدة فإنه لا يتردّد في المضي قدماً نحو ضوء النّار حتى يصل إلى المكان غير آبهٍ بالظروف التي قد تمنعه من الزيارة والمشاركة في حوارات ومناقشات المجلس حتى دون توجيه الدّعوة مسبقاً كما هو الحال في يومنا هذا إذ أن شبّة النّار في ثقافة الأجيال السابقة تُعدّ بحد ذاتها دعوة عامة للحضور وأخذ قسطٍ من الراحة أثناء المسير أو الرحيل
ولفظة شبة النار استخلص منها كلمة الشبة ويعني ذلك إقامة التجمع والقهوة فيقول الشخص “الشبه عندنا”وهي عادة متوارثه في نجد منذ عقود طويلة سواء بين اهل الحي او الشلة او في البادية التي تعتبر ذات معان سامية ونبيلة فكان البدو قديماً ينتقدون من يهمل هذا الجانب بقولهم :
بعض العرب في شبة النار يحتار يجي الشتا ويروح ما شب ناره
ومن هنا أصبحت شبّة النّار رمزاً عروبياً للترحيب بكل قادم إلى الدّيار أو عابر بالقرب منها غير أنّ الهدف الأسمى من شبّة النّار هو تبديد حالة الخجل والحرج من دخول الدّار دونما دعوة رسمية سابقة ولهذا نجد أن الشاعر محمد بن شلاّح المطيري قال بيت في قصيدة وذاعت شهرته بين الناس اشار فيه لشب النار وتجهيز القهوة وترك الباب مفتوح وهي دعوة معلنة لكل من يمر من أمام البيت تتضمّن إيحاءات لكرم الضيافة العربية ما يبدّد لدى الضّيف مشاعر الاستحياء ويجعله يتجرّأ على القدوم إلى الدّار والجلوس مع صاحب الدار او البيت عند شبة ناره ومشاركته القهوة فقال ابن شلاح
أمل الوجار وخلوا الباب مفتوح خوف المسير يستحي ما ينادي
نبغي الى جاء نازح الدار ملفوح وشاف البيوت مصككة جاك بادي
يقلط لديوان به الصدر مشروح ورزقه على رازق ضعاف الجرادي
يا نمر ما في صكت الباب مصلوح ولا هي بلنا يا مضنة فوادي
تصلح لمخلوق يبي يستر الروح ناشي عليها معتمدها اعتمادي
يا نمر لو المرجله سدو مسدوح كل نقزها حر ولا برادي
لكنها من دونها المر مطروح وارض تبي من بذر فعلك سمادي
رجال تقصيره مع الناس مسموح لا حيث ماله في القديمة شدادي
ورجال تقصيره مع الناس مفضوح وكل يقول النار تخر رمادي
وتكثر شبة النار عند ظهور سهيل واقتراب الوسم والليالي ذات النسمات الباردة والتي تكون غالبا في اواخر شهر اكتوبر من كل عام ميلادي وتستمر حتى نهاية الشتاء أواخر شهر مارس حيث تجد النار لا تنطفئ كل مساء بل وحتى في الصباح خلال إجازة نهاية الأسبوع
ولشبة النار الطيبة انواع من الحطب ومواصفات منها أن يكون يابساً وقشرته يابسة ونظيفة وألا يكون رطباً ولا أخضر حتى لا تنبعث منه الأدخنة والروائح غير الطيبة وكلما كان العود مستديراً كان لهب النار أسرع في الاشتعال وافضل أنواع الحطب التي يستخدمها أهل الشبة حطب الأرطاء والسمر والغضا والطلح لان رائحتهم طيبه وجمرتهم حاره ولكن حاليا تم منع الحطب المحلي فأصبح اكثر الناس يستخدم حطب القرض الافريقي وهو الافضل حاليا كما انتشر بعض انواع حطب اشجار الفاكهه والزيتون ولكن الاقبال عليها قليل لانها اقل جودة ومواصفاتها غير محبوبه
وفي الشعر الشعبي فشبّة النّار تثير قرائح الشعراء الذين يستلهمون بعضاً من أفكار قصائدهم خلال جلوسهم بالقرب من النّار المشتعلة في ليالي الشتاء الباردة لذا جادت قريحة كثير من الشعراء بقصائد جزيلة عن “شبة النار” ولا يبتعد عنها في القصيد القهوة التي صنعت على نيران هذه الشبه لتكون شبة النار والقهوة دائما حاضره في الابيات مثلما يقول الأمير الشاعر محمد الأحمد السديري وهو يطلب من رفيق سهرته شب النار وتجهيز القهوة لعلها تأتي بالزائرين فيقول:
قم يا محيسن شب نار المعاميل وصفصف عليها السمر من زين الاخشاب
ان ولعت واستضرمت باللهب حيل يجذب سناها بالدجى كل شراب
وان صرمت والجمر فيها دحاميل أزرق سناها ذايب يلهب الهاب
احمس عليها البن من غير تقليل واحذر عواقب من هرج عايب عاب
ودقه ولقمها وزود لها الهيل حتى يصير الكيف طب للألباب
ماها قراح صافي من شهاليل من وبل رايح داجي الغيث نحاب
يا حلو صبتها ببعض الفناجيل ان ذاقها الممروض من علته طاب
وقال السديري ايضا :
البارحه جفني لحلو الكرى عاف يوم النعايم فوق راسي مشاريف
تسابقن قلبي هواجيسٍ ارداف الليل طال وحن قلبي على الكيف
وناديت من حولي يعجل بالاسعاف يشب نار دلال بيضآ مزاهيف
ياحسين شب النار واسرف بها اسراف حتى يصير الجمر فيها مشانيف
وقال السديري ايضا :
يا بجاد شبّ النّار وادن الدلالِ واحمس لنا يا بجاد ما يقعد الرّاس
و دقّه بنجرٍ يا ظريف العيالي يجذب لنا ربعٍ على أكوار جلاّس
و زلّه إلى منّه رقد كل سالي وخلّه يفوح وقنّن الهيل بقياس
و صبّه ومدّه يا كريم السبالي يبعد همومي يوم اشمّه بالانفاس
وشبة النار وقهوتها صوّرها الشيخ الشاعر تركي بن حميد العتيبي قائلاً:
يا ما حلا يا عبيد في وقت الأسفار جر الفراش وشب نار المناره
مع دلةٍ تجذا على واهج النار ونجرٍ إلى حرك تزايد اعباره
والنجر دق وجاذبٍ كل مرار ما لفه الملفوف من دون جاره
في ربعةٍ ما هيب تحجب عن الجار لا من خطو اللاش ما شب ناره
وأخير منها ركعتينٍ بالأسحار لا طاب نوم اللي حياته خساره
تلقاه في يومٍ يضيعن الأفكار يومٍ على المخلوق ما اطول نهاره
وقم في قصير البيت حشمه ومقدار لو جار فادمح له عيوبه وداره
ترى النبي وصى على الجار لو جار خذ الحذر يا عبيد عقب النذاره
ورافق قوي الدين حفاظ الأسرار ينفعك في يومٍ يجي به كراره
وترى الهوى والغي للشر جرار ومن داس عار الناس داسوا لعاره
وجنب ردي الخال ما فيه تعبار ما فيه من فعل المناعير شاره
جنب عنه جعله لقصاف الاعمار وأحفظ وصاتي يا رفيع المناره
واسلم ودم بالخير يا طير غيمار وصلوا على المختار ما غار غاره
وشبة النار في أبيات الشاعر غازي بن عون العتيبي إذ يأمر أبنه بإشعال النار وتجهيز القهوة حسب الاصول ويصفها قائلاً:
ياريف قلبي للمسايير قم شب وحط المناره في طويل الضلالي
عقب تشقلها لجزل الحطب جب وهات النجر وأحضر جداد الدلالي
ثلاث الهن راعي الكيف يطرب وسوطهن ظمر والآخر جلالي
وبطونهن مأخذن سبوع عن الرّبْ وجنوبهن صفر تلالى تلالي
والرابعه ملقامةٍ لونها أصهب حيث إنها لنار دائم تصالي
ولاجبت كل إشروطها اللي تطلب إجلس عليهن يا زعيم العيالي
وإحمس لنا بريةٍ حبها أشهب وبهارها هندي وماها زلالي
وإعرف ترى قانونها ما يخرب وندارها ينقى وماها إكالي
تراه مايصلح لها كل مذهب ولا تقبل الروضه ولا لعتجالي
وإلا حمست إحرص على حمسةْ الحبْ واعرف ترى الحمسه تبي وسع بالي
حسّه يجيب مْدَوّرين التعاليل اللاّش نام وْمن بغى الكيف جاله
فنجال سوّه من حساب الفناجيل صِبّه ولا تقلّط عليه البياله
كيف العذارى لابسات الخلاخيل خلّه لهن عنّا مشينٍ لحاله
بينما قال الشاعر الأسمر الجويعان العنزي
يا حلو فنجال الضحى يا بو عذال في مجلسٍ مابه خبيث الغريـزه
صبّه لدسمين الشوارب والأفعال هل المكارم والنفوس العزيـزه
يطرد هواجيس على القلب تنهال ويطفي هواجيسٍ إسوات الوزيزه
حيثك من اللي يعمل الصبح فنجال اللي لهم في شبّة الصبح ميزه
وحتى الفقير يرحب بالضيوف ويشعل ناره فيما عُرف عن الشاعر عايض ابو قلوب ال مسعود القحطاني واشتهر بكرمه رغم فقره ولم يتوان عن الترحيب بضيوفه من خلال شبة النار حتى وأن كان لا يملك ما يقدمه غيرها وقال عن ذلك:
الضو لا شبت فنصف الكرامه والنصف لاخر ماتيسر من القوت