بيت مشهور من قصيدة استوطنت ذاكرة الأدب الشعبي اختلف الرواة على نسبته منهم من قال إنه لمناحي بن معدل السهلي ومنهم من قال إنه للشاعر مبارك بن مرجان ومنهم من قال للشاعر فهد الخرينق
وكان يروى على عدة روايات منهم من يقول:
نبتت لحانا ما لحقنا هوانا وعزي لمن شابت لحاهم على ماش
ومنهم من يقول:
شابت لحانا ما لحقنا هوانا عزي لمن تبت لحاهم على ماش
الشاعر والباحث والراوي سليمان بن محمد النقيدان أحد المؤرخين المولعين بالتراث الشعبي وبالبحث والاستقصاء وحرصه الشديد على جمع قصائد شعراء وشاعرات بريدة السابقين وتحديدا الأموات منهم الذين فاضت قرائحهم بقصائد شعبية رائعة كادت أن تغيب في عالم النسيان وجمعها في كتابه الغني ( من شعراء بريدة ) الذي صدر منه جزئين قبل وفاته – رحمه الله –
الشاعر الباحث سليمان النقيدان في مؤلفه القيم عن شعراء بريدة نسب القصيدة لشاعر يدعى مبارك بن مرجان الذي ولد في عين ابن فهيد 1275هـ وعاش سنوات من عمره في بريدة وتوفي في الأسياح في منطقة القصيم عام 1338هـ اي قبل 108عام من يومنا هذا ووصفه بشاعر الطرافة والفكاهة النادرة
كما أشار النقيدان في كتابه الي ان هذة الابيات اختطلت لدى بعض الرواة بقصيدة اخرى للشاعر فهد الخرينق ويقول في أولها :
والله يالولا الفقر يزوي حشانا لازمي كما يزمي على البير غطاش
ومنهم من ينسبه إلى الشاعر الشيخ المرحوم مناحي بن معدل السهلي ويضمه إلى أبياته التي مطلعها:
كم واحدٍ بات الخلا وامتنانا وربي مجملنا ولو ما به ادباش
وقد أشار المرحوم سليمان المحمد النقيدان في كتابه (من شعراء بريدة) إلى هذا الاختلاف مؤكداً أن القائل هو المرحوم مبارك بن مرجان.
كما أشار مقدم برنامج (البادية) وبرنامج (قصة وأبيات) في الإذاعة الراوية المعروف الأستاذ إبراهيم اليوسف إلى أن الشاعر مبارك بن مرجان هو من قال القصيدة التي ورد فيها هذا البيت عند معاناته في سنة من سنوات الجدب الشديدة التي مرت على اهل نجد من بادية وحاضرة وسميت بأسماء عديدة منها ( سنة الجوع ) و(سنة السلاق) و (سنة سحبة) عام 1327هـ
وأظن أن صاحب القصيدة الاصلية الاقرب انه مبارك بن مرجان بسبب ان عدد من الباحثين أوردوه في المؤلفات الشعبية مثل النقيدان واليوسف بينما البقية نقل رواة بدون أدله مطبوعة وقد يكون البيت قم تم الاعجاب فيه وتم تكراره في قصائدهم المشابهه لها في البحر والقافية
يقول النقيدان في كتابه ان الشاعر مبارك بن مرجان كان يعيش عند آل فهيد من الاساعدة من عتيبه وكان فقير الحال يعمل في المزارع طوال اليوم مقابل رزمة من سنابل القمح يعود بها الي زوجتة اخر النهار لتطحنها وتصنع منها وجبة يقتاتون منها وفوق ذاك الفقر الذي عانى منة الشاعر كان مصابا بالعقم فلم يرزق بذرية تعينه عند الكبر لذا كتب هذه القصيدة المشهورة وهي أبيات دقيقة في وصف ما آلت إليه الأحوال من شظف العيش ورقة الحال والأكثر إيلاماً أن يمتد الفقر والبؤس حتى تشيب اللحى وتقترب نهاية العمر بلا حصيل ويصور معاناته في سنة الجوع في نجد حيث هلك الناس وصاروا يسقطون في الطرقات موتى بسبب الجوع وكانوا يأكلون ورق الشجر والجلود وكل ما تقع عليه أيدهم ويذكر الشاعر في البيت الأخير أن كدّه الذي لم يكفه ليعيش جعله يفكر في التغرب بحثاً عن لقمة العيش أو في عبور البحر إلى مصر طلبا للرزق كغيره ويقال إن أمنيته كانت الانضمام لقوافل العقيلات التي كانت تمارس نشاطاتها التجارية في مصر والشام وغيرهما.
يقول الشاعر مبارك بن مرجان
شابت لحانا ما لحقنا هوانا وعزّي لمن شابت لحاهم على ماش
صرنا نكّد و كدّنا ما كفانا عيشة وزا من هو بذا الوقت يعتاش
وغداننا جاعوا ودجت نسانا نقبل ونقفي يا فتى الجود ببلاش
العمر رحله و الليالي تدانا والآدمي لو راقب الوقت ماعاش
ياما سمعنا علمْ شينٍ دهانا سهوم المنايا بين مسرى ومغباش
العلم و اضح والطريق يحدانا وما كل ما نبغاه يحْصلْ وينّاش
دنياً تقلب ما عليها ضمانا والرابح اللي سِيْرته كنّها الشاش
قَرْم ٍ يحوش المرْجله ويتفانا وزود ٍ على ذلك سنافي وشوّاش
لو زادت حموله وسيع البطانا صليب راس ويحتمي موقفه كاش
ما هوب خبل ٍ لا نخيته جبانا اللي من ادنى صوت يطمر وينحاش
ماله مع رجال المكارم مكانا وراس الظبي ما قد ذكر به عراش
وياللي لهيتوا شوفوا اللي غزانا راحت عوايدنا على مركب الطاش
قمنا ننتناحر والتناحر بلانا وصرنا على التحريف والكذب نعتاش
هذا شذب ربعه ونومس اعدانا وهذا على جاره يدور بمنقاش
الجار له حق ٍ كبيرٍ علانا والعانيه واللي من البعد طَرّاش
نبي نحودر كان ربي رشانا والا نطوش بمصر من عرض ماطاش
والله عن دروب المعاصي نهانا ونتعب على الأخْيار و نجنّب اللّاش
ويالله من شَرْ الأمور تحمانا وتْفكِّنا من كل حاسد وغَشّاش
ومن المواقف الطريفة التي تدل على فقر الشاعر مبارك بن مرجان وسلاطة لسانة ما حكي من انه كان يسير في بعض الطرقات ويعاني العطش الشديد والاجهاد فمرت به بعض الجواري ( السمر ) اللاتي يعلمن عند بعض البيوت يحملن جرار الماء العذبة من مورد (المطوعية) جنوب عين بن فهيد فطلب منهن شربة ماء تروي ظمأه فرفضن التوقف له وبعد ذلك مرت به بعض النساء من ال فهيد فكرر عليهن الطلب فتوقفن له واسقينه من الماء فصور هذا الموقف بأبيات تقارن بين تواضعهن وقسوة الجواري عليه فقال:
ياليت من يقعد على الجسر راصود أقعد على الجسر الجنوبي لحالي
نبي نعزل البيض عن لمة السود ونضرب الطرش الجهام الشمالي
عساه يجفل جفلة لين أبا الدود والثانية يجفل ولا له توالي
الراس منهن كنه التبن ملبود والا عراد في شخانيب جالي
المشط منهن يشكي الكد والكود وباقي سنونه صار فيهن ميالي
ومن الطرائف التي يتداولها الناس عن الشاعر مبارك بن مرجان ما ذكر عن علاقته بزوجته التي كانت امرأة مدبرة ولكنها كانت دائمة القلق من احتمالية زواج (مبارك) بامرأة أخرى بسبب مسألة العقم التي لم يكن المسئول عنها وذات يوم جاءت (دلالة) عجوز تدور على البيوت وتبيع ما تحتاجه النساء من أدوات زنيه وتمكنت من اقتاع زوجة (مبارك بن مرجان) بأن تقتني بعض الأشياء لكي تحلو في عين زوجها ولم تطلب مقابل سوى ما يوجد في البيت من طعام بالفعل حصل ذلك وفي آخر النهار عاد شاعرنا مبارك متعبا من البحث المضني دون جدوى طوال النهار عن عمل في المزارع ورجع خالي الوفاض معتمدا على ما تختزنه الزوجة في البيت من طعام لمثل هذة الظروف وعندما عاد وجد زوجته متزينه بالكحل والبودرة والقلائد الرخيصة وتتغنج عليه بهذه الزينة بينما البيت لا يحتوي على لقمة واحدة تسد الرمق ولكن الزوجة لم تهتم بجوع شاعرنا بل راحت تسأله عن رأيه في زينتها وجمالها موقف كوميدي كهذا فجر شاعرية أبن مرجان ومضى يصفق يديه يمنة ويسره وهو يقول:
أنا خلصت غمر ما يشالي تجي دلاله تاخذ حصيله
تجي للبيت عند أم العيالي وتمدحها لما تغدي دليله
تقول العنق يا عنق الغزالي ولك خد ولك عنق وجديله
ألا يالعبد رح صوب الشمالي تحوش المال وأنعام الفضيله
تراك بنجد ما تسوى ريالي ولاتسوى ولا خوصة فسيله
والملاحظ لقصائد مبارك بن مرجان ان لديه حلم يتمنى ان يحققه وهو هو السفر مع تجار العقيلات الي بلاد الشام فقد كانت هذه إحدى وسائل تحقيق الثراء التي تراود سكان القصيم المعروفين في الطموح والجرأة في التجارة السفر
وفي السنوات الاخيرة من حياته شارك شاعرنا سنة1333للهجرة 1915 للميلاد في معركة (جراب) ضمن جيش الملك عبدالعزيز وقال هذة الابيات يرثي بعض ممن قتلوا في المعركة من اقاربه ومعارفه..قائلا في بعض ابياتها :
الله يايومٍ حضرناه بجراب عساة مايجري على المسلميني
كم واحدٍ عض الاصابع بالانياب من حر مايوجس من المارتيني
اول بكايه هو ولد عمي ذياب واخر بكايه هو على الطيبيني
وتوفي يرحمه الله بعد هذه المعركة بثلاث سنوات الله سنة 1338 هجرية الموافق 1919ميلادياً