الأديب والشاعر والراوي الكبير إبراهيم بن عبدالله اليوسف رحمه الله أبن القصيم التي ولد فيها سنة 1353هـ في بلدة التنومة بالأسياح
أحد الرجال الذين خدموا الإعلام السعودي ومن أوائل المساهمين في خدمة الأدب الشعبي في كافة مناحيه خلال عمله الإعلامي في الإذاعة السعودية طيلة أربعين سنة من خلال تقديمه برنامج “من البادية” من اذاعة الرياض ورافق خلال رحلته الاعلامية عميد الرواة منديل الفهيد – رحمه الله – وقدمه من بعده ثم قدم برنامجاً آخر سماه قصة وأبيات وبدأ تقديم هذا البرنامج منذ عام 1397هـ حتى عام 1407هـ وأصدره في كتاب بعدة أجزاء.. وزامل الرعيل الأول من الرواة والشعراء وصاحب عددا غير قليل من الرواة والشعراء الموجودين وزاد كل ذلك باطلاعه على مخطوطات الشعر الشعبي وقراءاته لكتب الموروث واستفساراته من المهتمين ومقابلاته للباحثين فاختزن في ذاكرته رصيداً ضخماً من المرويات والمعارف والقصائد والقصص والحكايات فحولها بأسلوبه الجميل وإلقائه المميز إلى قلوب المستمعين قبل عقولهم فنال إعجاب الجميع ومحبتهم بسبب صدقه وأمانته ثم واقعيته وبعده عن كل ما يثير المشاعر والأحاسيس من خلال مؤلفاته واصداراته التي اثرت الساحة الشعبية
نشأ إبراهيم اليوسف في الأسياح وتعلم فيها وانتقل في شبابه من القصيم الى الرياض ثم استقر فيها وتعلم وانضم إلى المعهد الملكي ونال الدبلوم وتوظف في وزارة المعارف وبعدها انتقل إلى ثانوية الفيصل وكان من الذين يكتبون بالآلة الكاتبة بسرعة فائقة جداً ورغب الالتحاق بمعهد الصم وانتقل إليه ثم تقاعد بعد ذلك
وكان في بدايات انتقاله للرياض يحضر محاورات شعرية تقام عند ملعب الملز في أرض أعدت لهذا الشأن وكان من المتابعين لهذه المحاورات التي لم يسبق لها مثيل فقد كانت تعقد يومياً من بعد صلاة العشاء في منتصف الليل وكان لها حضور كبير يزداد ليلة الجمعة ويأتي إليها الناس من جميع القرى المجاورة لمدينة الرياض ودوّن هذه المحاورات التي كانت منذ عام 1374هـ حتى عام 1384هـ
وبرز حبه للتراث الشعبي وتعامله معه بأشكاله المختلفة بشكل عملي وتفاعلي كان من خلال الإذاعة فهو أحد المساهمين والمؤسسين للبرامج الشعبية بإذاعة الرياض وأعطى الإذاعة كل ما يملك من ذاكرته الشعبية وما وقع تحت يده من رواية شعبية حيث التحق بإذاعة الرياض عام 1385 هجري عندما كان الراوية والمذيع الشهير منديل الفهيد يقدم برنامج البادية وكانت البداية عندما التحق مع الراوي منديل بالإذاعة مساعداً ومعاوناً له قارئاً للقصائد والرسائل التي ترد على البرنامج حيث كان هذا البرنامج هو الأشهر والأكثر متابعة من المهتمين بالشعر حيث يلتف أصحاب المجالس في الحاضرة والبادية وأفراد الأسرة حول المذياع بعد صلاة العشاء للاستماع إلى البرنامج ثم كلف بعد ذلك بإعداد وتقديم برنامج من البادية بالتناوب معه ومع رضيمان الشمري وسعد بن حريول ومحمد بن زبن وكل واحد من هؤلاء له حلقة يقدمها واستمر هذا حتى عام 1396 هجري وأصبح البرنامج من إعداد وتقديم إبراهيم اليوسف.
أما برنامج قصة وأبيات فهو من منجزات الأستاذ اليوسف ونتاج ما لديه من كم مما جمع من القصائد الشعبية وخصوصاً التي لها قصص وحوادث ذات المواقف النبيلة والمؤثرة وسؤال الرواة منذ أن تعلق بالتراث الشعبي حتى تجمعت لديه ثروة قصصية قدمها في برامج البادية ولأن وقت البرنامج لا يتسع لإذاعة هذه القصص فقد اقترح على إذاعة الرياض برنامجاً سماه قصة وأبيات وبدأ تقديم هذا البرنامج منذ عام 1397هـ حتى عام 1407هـ ولاقى نجاحاً كبيراً على مستوى المملكة والخليج العربي ووصل البرنامج ثناء ورسائل تزوده بقصص وقصائد فكان هناك تفاعل قوي من جمهور المستمعين الكرام وقد انعكست شخصية المبدع إبراهيم اليوسف على البرنامج بحلته الجديدة وازداد تعلق المستمعين بإذاعة الرياض العريقة من خلال الصوت الدافئ المتدفق بالحب
الشاعر والراوي والاعلامي الكبير إبراهيم بن عبدالله اليوسف غفر الله له ذلك الإنسان الفاضل صاحب القلب الكبير واللسان الذاكر الشاكر ذلك الصوت الحنون الدافئ المليء بالحب الحريص حرصا شديدا على التراث الشعبي لجزيرة العرب حفظا ورواية وبحثا وتدقيقا فلم يكن يقدم ما لا يقتنع به ويتعب كثيرا على الدراسة والبحث والتدقيق يحفظ من التراث الشيء الكثير وروى من قصص وأشعار السابقين واللاحقين ما يعجز عنه غيره واستفاد من عدة رواة وهم أبن القصيم والاسياح ايضا منديل الفهيد – رحمه الله – الذي صحبه أكثر من خمسين سنة كذلك الراوية الكبير عبدالرحمن الربيعي – رحمه الله – وأستاذ الرواية الشهير محمد بن عبدالرحمن بن يحيى – رحمه الله تعالى – وكذلك الرواة مهنا المهنا بالدوادمي ومحمد السليمان السحيم وناصر المسميري وكان لديه هواية في اقتناء الكتب الشعبية ومتابعة الشعراء وحفظ القصائد الجيدة من عيون الشعر الشعبي القديم والشعراء الفحول المعاصرين وبذلك أصبح الشعر والرواية شغله الشاغل يطلبهما ويسعى اليهما ويدون كل ما استحسنه في مجالس الأدب والسمر وقابل الكثير من الشعراء والرواة في مختلف مناطق المملكة وكان رمزا كبيرا للأدب الشعبي في جزيرة العرب يستشهد برواياته ويضرب المثل في حرصه فلا يبحث الباحث بعده ولا يختلف على روايته اثنان.
وفي مجال رواية الشعر والقصة فإن أهم صفة يراها اليوسف في الراوي التي يجب عليه الاتصاف بها من خلال حوار صحفي قديم اجري معه قال أهم صفة هي التزامه والتزام الناقل للقصة والقصيدة بذكر المرجع فالرواية أمانة ويجب على الراوي أن يذكر من أين استقى هذه المعلومات هل هي من كتاب أو من شريط أو من شخص؟ فيذكر اسمه.
وأما الفرق بين الرواة قديماً وحديثاً فيرى أن الرواة قديماً عندهم الصدق وعدم التحيز عندما يقص القصة يجعلك تثق بما يقوله ومن أين أتى بهذه الرواية ويأتي غالباً بالرواية كما سمعها ممن قبله بدون أي تحريف أو تبديل والكثير من الأحيان يكون دقيقاً فيخبرك متى سمع هذه الرواية باليوم والشهر والسنة وفي أي مكان ومع من سمع.
لقد كان الراوي والشاعر إبراهيم اليوسف – رحمه الله – دمث الأخلاق بشوش الوجه متدينا مسميا مصليا به من الدين والورع ما يجعله يضع الخالق عز وجل نصب عينيه في كل كلمة يقولها يخاف الله ولا يظلم ولا ينسب شعرا لغير اهله ويتجنب كل ما يثير الناس وكان رحمه الله معطاء في كل جوانب حياته سمحا محبا محبوبا من الجميع كريما في منزله متواضعا حسن الإصغاء وبرغم إلمامه بروايات والقصائد إلا أنه عندما يستمع إلى من يخطي في النقل والرواية لا يقاطع المتحدث بل ينتظر حتى ينتهي ثم يبدي وجهة نظره بكل أدب واحترام
مؤلفاته
ألف اليوسف موسوعة (قصة وأبيات) والتي هي نفس اسم البرنامج الإذاعي الناجح الذي كان يعده ويقدمه منذ ما يربو على ربع قرن من الزمان وقد طبع ثلاثة أجزاء بعد تكامل المادة لديه فقد طبع الجزء الأول عام 1412هـ وطبع طبعة ثانية عام 1414هـ وطبع الجزء الثاني عام 1417هـ وطبع الجزء الثالث عام 1427هـ.
الكتاب عبارة عن قصص قصيرة متنوعة الهدف والمضمون متساوية الحجم لأنها كانت محكومة بوقت البرنامج المحدد سلفاً وكل قصة يصاحبها قصيدة لا تتجاوز في الغالب العشرة أبيات وقد ترد في ثنايا القصة بعض الشواهد الشعرية الجميلة من هنا وهناك وصيغت جميع القصص بطريقة تتجه للنطق الفصيح قدر الإمكان فالصياغة هنا لم تغرق في العامية التي تحصر فائدة الكتاب في نطاق إقليمي ضيق كما يفعل بعض الرواة الذين لم يستشعروا الفرق بين ما يسمع وبين ما يقرأ.
اليوسف ينقل عن الرواة مباشرة كما ينقل عن الرسائل التي تصله من المستمعين وينقل كذلك عن بعض كتب الأدب الشعبي وهو في كل ذلك يحيل إلى مصادره بأمانة ويذكر أسماء شخصيات القصة بكل تجرد ويشير دائماً إلى هدف القصة ودلالاتها ويعمل على المقارنة بين الماضي والحاض، والحقيقة أن الكتاب في مجمله يعطي تصوراً عن حياة الأجداد وأحوالهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويحمل مزيجاً من التاريخ والأدب فيما يتعلق بالجزيرة العربية فهو مصدر لا يستغني عنه الباحث في هذا الشأن كما أنه يعبر عن شغف المؤلف بالتراث الشعبي وحرصه على توثيقه وحفظه لحقوق الآخرين الذين نقلوه للأجيال القادمة كشاهد عيان لأحداث الزمان خلال الفترات الغامضة من تاريخ الجزيرة العربية.
كتب مقدمة كتابة في اول اصدار له عام 1412وقال
وفاته
رحل عن دنيانا الراوية الإعلامي إبراهيم بن عبدالله اليوسف -رحمه الله- في الخامس من شوال عام 1445هـ بعد عيد الفطر المبارك وكان غاب عن الساحة الشعبية منذ ما يقارب 15 عاماً تقريباً بعدما أصيب بعدة أمراض جعلها الله تكفيراً لخطاياه ورفعة لدرجاته.
رحم الله الأديب إبراهيم اليوسف وأسكنه فسيح جناته
حوار صحفي مع الشاعر والراوي إبراهيم اليوسف في جريدة عكاظ عام 1982م
حوار صحفي للإعلامي صلاح الزامل مع الشاعر والراوي إبراهيم اليوسف عام 2005م
تحرير مع إقتباس من بعض المصادر الصحفية
الباحث والإعلامي ناصر بن حمد الفهيد القصيم – بريدة تويتر